لبنان ضائع بين السعودية وقطر والغرب يتفرج - بلس48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لبنان ضائع بين السعودية وقطر والغرب يتفرج - بلس48, اليوم الأربعاء 16 أبريل 2025 02:45 صباحاً

يعيش لبنان اليوم لحظة تحوّل حاسمة، فانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية وتكليف نواف سلام برئاسة الحكومة، شكلا بداية مسيرة التحوّل بعد "الزلزال" الذي ضرب لبنان عبر الحرب الإسرائيلية عليه وما اسفرت عنه من خسائر على اكثر من صعيد. وها هو لبنان اليوم يشكل ساحة اختبار إقليمي لمدى قدرة قوى مثل السعودية وقطر على فرض رؤى متباينة حول مستقبل الدولة اللبنانية، فيما تعمل القوى الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا (مع أوروبا)، على ترتيب حدود عمل الدول والقوى الأخرى في مساحة لبنان الصغيرة. وبينما يحاول الداخل اللبناني لملمة أزماته، تُدار سياساته في جزء كبير منها من غرف القرار الدولية بأدوات تنفيذ اقليمية.

وبعد غياب قسري، عادت السعودية الى الساحة اللبنانية وفرضت شروطها للمساعدة بتحقيق إصلاحات جذرية مطلوبة من المجتمع الدولي. هي لا ترى أن وجودها في لبنان اليوم يمكن أن يكون ناجعًا من دون هذه الشروط ومنها: معالجة الفساد، تحجيم دور حزب الله عبر حصر السلاح بيد الدولة. في المقابل، تتحرك قطر وفق "استراتيجية التغلغل الهادئ"، وهي وان انضمت الى قائمة المطالبين بالشروط نفسها، الا انها كانت اكثر دبلوماسية بعض الشيء، وحافظت على علاقات غير تصادمية مع الأطراف، بمن فيهم حزب الله. لكنها في العمق، تسعى إلى ترسيخ موطئ قدم مؤسساتي واقتصادي يعزز حضورها في المنطقة في مرحلة ما بعد الأزمات، وخصوصاً على صعيد ملف الطاقة.

هذا التناقض بين المقاربتين لا يعكس فقط تباينًا دبلوماسيًا، بل يشي بما يشبه الصراع الخفي لتحقيق المكاسب على الأراضي اللبنانية، عبر استمالة اكبر قدر ممكن من اللاعبين المحليين، من دون خرق أي من القواعد المحددة من الدول الكبرى، وهذا ما يعكس سرعة ارسال الموفدين من قبل البلدين الى لبنان في فترات قصيرة، و"الضياع" اللبناني في التعامل مع البلدين في ظل الرغبة بعدم ازعاج أي منهما.

لا شك ان انتخاب رئيس للجمهورية شكل لحظة توافق نادرة، لكنه لم ولا يعني أن لبنان تجاوز الازمات. على العكس، يبدو وكأن رئاسة عون، رغم دعمها الدولي، ستخضع لاختبار في معركة توازنات قادمة بين "رغبة الخارج" وقدرة الداخل. فيما ينظر الى نواف سلام على أنه رهان غربي–خليجي مشترك، لكن نجاحه يعتمد على قدرته على التكامل والانسجام مع باقي القوى المحلية لتنفيذ الشروط التي باتت معروفة. الولايات المتحدة والسعودية تقودان التوجّه القاسي من دون مواربة: لا أموال من دون إصلاحات، ولا إعمار من دون ضمانات سياسية وأمنية، فيما ترى قطر أن الربط بين المال والسياسة يعمّق الأزمة أكثر مما يخففها، وتفضّل مقاربة "المساعدات المباشرة" المدروسة، حتى وإن لم تُفضِ سريعًا إلى تغيير هيكلي.

لا يزال لبنان عالقًا في مواجهة غير محسومة مع إسرائيل، رغم التهدئة الموقتة بعد الحرب الأخيرة، وهو بات يدرك ان أي إعادة إعمار فعلية تتطلب أولًا ضمانات أمنية، وثانيًا توافقًا سياسيًا حول دور حزب الله، وهي معضلة بحد ذاتها، تطرق اليها بالأمس الرئيس عون عشية زيارته الى قطر، بشيء من الإيجابية والتفاؤل.

أما العلاقة مع سوريا، فتبدو متأرجحة بين انفراج تقني في ملف الحدود، واستمرار التوتر في ملفات اللاجئين والمعتقلين. والمفارقة أن واشنطن والرياض تضعان تحسين العلاقة مع دمشق ضمن شروطهما، لكن وفق منطق "التطبيع المشروط" لا الانفتاح الكامل، ما يقيّد قدرة بيروت على الحسم، ويعطي افضلية للرئيس الجديد الذي تم "تعيينه" أي أبو محمد الجولاني (احمد الشرع).

وعليه، يجد لبنان نفسه، محط "تناتش" إقليمي برضى دولي، فالسعودية تريد قطف تنفيذ الشروط الدولية وتحويله بشكل جذري وسريع، فيما تفضّل قطر الأسلوب الابطأ عبر بناء النفوذ الناعم وتفادي الاصطدامات. وفي ظل هذا التضارب، يبدو ان النقطة المشتركة الأساسية بين البلدين هي تقاربهما من واشنطن وأوروبا على حد سواء، مع افضلية سعودية واضحة على الساحة اللبنانية كسبتها بفعل التاريخ والمرجعية الدينية.

السؤال المطروح حالياً ليس من سيدعم لبنان، بل: هل لبنان قادر على تنفيذ الشروط وفق مشروع وطني جامع، أم سيبقى ساحة تجاذب؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق